الثلاثاء، 19 مارس 2013

الاستشراق والتنصير- رؤية موضوعية

الاستشراق والتنصير- رؤية موضوعية

د. محمد الزيني يدعو الباحثين العمانيين لاستكشاف أرض عمان البكر -
وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها ونقدها
-
عرض – سيف بن ناصر الخروصي -
صدر حديثًا عن مكتبة الضامري بالسيب كتاب (الاستشراق والتنصير- رؤية موضوعية) لمؤلفه الدكتور: محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة بمعهد العلوم الشرعية بالسلطنة والكتاب يعد من أحدث ما كتب في الاستشراق والتنصير مع قلة الكتابات العربية والإسلامية في هذا الموضوع.
والمؤلف هو الدكتور محمد بن عبدالرحيم الزيني من مصر، درس وتعلم فيها حتى وصل إلى درجة الأستاذية، ثم انتقل إلى الجزائر ثم اليمن وحاليًا في عمان لممارسة مهنة التدريس والتصدق بعلمه الذي وهبه الله إياه، وكان للدكتور الزيني دور بارز في إحياء الفكر الإسلامي والدفاع عنه من خلال محاضراته وكتاباته المتنوعة، فله عدة مؤلفات أثرى بها المكتبة الإسلامية خصوصًا والإنسانية عمومًا، فله كتاب «ابن القيم وآراؤه الكلامية»، وكتاب «مشكلة الفيض عند فلاسفة الإسلام»، وكتاب «نشأة علم الكلام وأهدافه»، و«أبو سليمان السجستاني وآراؤه الفلسفية» وهي مطبوعة في عدد من الدول العربية والإسلامية، وله عدد من البحوث شارك بها في بعض المجلات التي تصدر في الوطن العربي، ومن بحوثه: «جمال الدين الأفغاني رائد التنوير» نشر في مجلة الموافقات»، و«منهج للحوار بين اتجار الفكر الإسلامي» نشر في مجلة منبر الحوار، وله مشاركات في موسوعة أعلام فلاسفة العرب وموسوعة علماء العرب والمسلمين التي تصدرها المنظمة العربية للثقافة والتربية بتونس، وما زال عطاؤه مستمرا إلى الآن فله مؤلفات قيد الطباعة، منها: «الفلسفة الطبيعية عند الإمام أحمد بن يحيى المرتضي» و«هوامش على سيرة الدكتور عبدالرحمن بدوي».
صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 1430هـ / 2010م في 462 صفحة من القطع المتوسطة.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى قسمين: الأول: الاستشراق والثاني: التنصير والكتاب يجمع بين قضيتين تكون الهوة واسعة بينهما، فالاستشراق كما يقول الدكتور في مقدمة كتابه هذا: «يتعلق بجهود علماء الاستشراق تجاه فهم الحضارة العربية الإسلامية ودراستهم لعلومها، وعكوفهم على النظر في إبداع عقول علمائها، من فقه وتفسير وحديث وأدب وشعر وفلسفة وعقيدة وتصوف وتاريخ» ثم يذكر الدكتور فائدة من فوائد الاستشراق على الأمة الإسلامية وهي أنهم خلفوا لها كما عظيمًا من الإنتاج العلمي ونهضوا بتحقيق المخطوطات ونشرها. والقسم الأول من الكتاب وهو «الاستشراق» يحتوي على مقدمة وستة فصول كالآتي:
الفصل الأول: تعريف الاستشراق وفيه ثلاثة محاور، الأول: تعريف الاستشراق، والثاني موقف المفكرين العرب من الاستشراق، والثالث: نظرة تاريخية لحركة الاستشراق.
والفصل الثاني: مراحل الاستشراق، وفيه ألقى المؤلف نظرة تاريخية لنشأة الحركة الاستشراقية، وجعل المؤلف ذلك على عدة مراحل، المرحلة الأولى: من ظهور الإسلام إلى ما قبل اندلاع الحروب الصليبية، والمرحلة الثانية: من الحروب الصليبية إلى نهاية القرن 18، والمرحلة الثالثة: من القرن 19 إلى 20.
والفصل الثالث: أهداف الاستشراق، وفيه وقف المؤلف طويلاً لشرح دوافع حركة الاستشراق، قدم المؤلف هذا الفصل بتمهيد، وخمسة محاور بعده، فكان المحور الأول في: الهدف الديني، والمحور الثاني: الهدف السياسي، والمحور الثالث: الهدف التجاري، والمحور الرابع الهدف العلمي، والمحور الخامس: الهدف المادي.
والفصل الرابع: قصور المستشرقين ودور اليهود في الاستشراق، وفي هذا الفصل تحدث عن سبب القصور عند الكثير من المستشرقين، والأخطاء التي وقعوا فيها، واجتهد المؤلف في البحث عن سبب اقتحام اليهود هذا الميدان، وعلل ذلك بما استطاع أن يتوصل إليه من أسباب نفسية ودينية وسياسية، واحتوى على محورين، الأول: أسباب القصور عند المستشرقين، والثاني: دور اليهود في الاستشراق (الأسباب النفسية والأسباب الدينية والأسباب السياسية).
والفصل الخامس: وسائل الاستشراق، وفيه أربعة محاور، الأول: المؤتمرات العلمية، والمحور الثاني: المجلات الاستشراقية، والمحور الثالث: المؤلفات، والمحور الرابع: الموسوعات. والفصل السادس: تقييم أعمال المستشرقين، وفي هذا الفصل تحدث عن مساهمة المستشرقين في الإنتاج العلمي، ونوه المؤلف بأسمائهم وإنتاجهم وتحقيقاتهم للمخطوطات وجهودهم الواسعة في هذا المجال والترجمات للكتب العربية التي نقلوها للقارئ الأوروبي وتعريفه بأبعاد هذه الحضارة، فضلاً عن الموسوعات التي نشروها في مجال الأدب العربي والنحو والفكر الإسلامي والمعاجم الضخمة في ميدان فهرسة القرآن والحديث الشريف، واللغة العربية، ومع التنويه بأفضالهم، وقد ركز أيضًا على أهم سلبياتهم التي لمسها في مؤلفاتهم وحديثهم السقيم عن بشرية القرآن وإنكار وحيه الإلهي والنظر إلى الرسول على أنه زعيم ثورة ومصلح اجتماعي، وقائد سياسي لا غير، والقصور الواضح في قراءتهم للتاريخ العربي الإسلامي، وتجنيهم عليه وانحرافهم عن قواعد المنهج العلمي بسبب تعصب بعضهم وموقفهم موقف العداء من إبداعاتها، قدم لهذا الفصل بتمهيد وأربعة محاور، الأول: الجانب السلبي، والثاني: الجانب الايجابي، والثالث: صور المستشرقين في عيون المفكرين العرب، والرابع: مستقبل الدراسات الاستشراقية.
والجدير بالذكر أن المؤلف استخدم أكثر من منهج لبسط وجهة نظره، فقد عول على المنهج التاريخي في سرد الأحداث والوقائع لكي يستطيع القارئ متابعة التسلسل الزمني، وفهم أبعاد القضية التي يتكلم عنها، واستعان المؤلف بالمنهج المقارن للبحث عن النظائر والاشباه للأفكار التي تعرض لها وناقشها مناقشة علمية، وقد يقارن بين الشخصيات المسيحية والإسلامية أو الوسائل التي استعان بها المستشرقون والمنصرون، ووسائل علماء العرب والمسلمين، وقد صاحب المؤلف في كافة البحث المنهج العلمي إذ استخدم منهج الشك في قراءة الأفكار للتثبت من المعلومات والأخبار الواردة في بطون الكتب للوصول إلى اليقين، وقاعدته في ذلك أنه «لا يسلم بشيء على أنه صدق إذا لم يكن يعلم أنه كذلك، وألا يدخل في حكمه شيئًا أكثر مما كان حاضرًا أمام عقلي في وضوح وتميز»، وقد حاول المؤلف عرض القضايا كما هي في المراجع والمصادر المعتمدة بعد ذلك يوضح وجهة نظره مؤيدًا ذلك بالدليل العلمي والحجة المقنعة والبرهان الفلسفي، وبجانب هذا تكون مناقشته هادئة دون تعصب.
ومما تميز به الكتاب سهولة العبارة ووضوح الكلمة والتسلسل في الأفكار، وتناول القضايا من جميع جوانبها وأبعادها، ويطرح جانبًا من التاريخ والحضارة العمانية وعلاقتها بالاستشراق والتنصير كونها جزءا من الأمة الإسلامية التي ابتليت بهذا الأمر.
القسم الثاني
وقد تناول المؤلف (قضية التنصير) وهي القسم الثاني من كتابه من جميع أبعادها، فأشار إلى النشأة التاريخية للحركة وبداية ظهورها ودوافعها، وأهدافها ومعظم الوسائل التي استخدمتها، ثم توقف طويلاً أمام تقييم هذه الحركة، وأظهر أهم إيجابياتها وسلبياتها، ونوه المؤلف بدور علماء الإسلام في الوقوف صفًا واحدًا أمام هذه المجموعة الشرسة التي ابتلي بها العالم الإسلامي، ولم يغفل عن جهود الحكومات الإسلامية في محاربة الحركات التنصيرية، سواء عن طريق مراقبتها والحد من آثارها أو عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والطبية للاستغناء عن خدماتها، وناقشت مستقبل حركة التنصير في الوطن العربي وفي إفريقيا وآسيا، وقد تناول كل ذلك بالشرح والتحليل والدراسة والمناقشة، والقبول والرفض والتأييد والتفنيد.
وقد احتوى القسم الثاني من الكتاب «التنصير» على خمسة فصول، وهي:
الفصل الأول: مفهوم التنصير ونشأته، وفيه أربعة محاور، الأول: مفهوم التنصير، الثاني: نشأة حركة التنصير في الوطن العربي، والثالث: التنصير في سلطنة عمان، والرابع: التنصير في شبه الجزيرة العربية.
والفصل الثاني: أهداف التنصير، وفيه ستة محاور، الأول: تنصير العالم العربي تنصيرًا كاملاً، والثاني: منع قيام الوحدة العربية الإسلامية، والثالث: إثارة الشك في عقيدة المسلمين، والرابع: محاربة اللغة العربية للقضاء عليها ونشر اللهجات المحلية، والخامس: تعاون حركة التنصير مع الدول الاستعمارية، والمحور الأخير: ميدان واسع للأرزاق وللكسب المادي.
والفصل الثالث: شروط المنصر، وفيه ستة محاور أيضًا، الأول: تعلم اللغة العربية، والثاني: دراسة الدين الإسلامي، والثالث: دراسة خصائص النفس الشرقية، والرابع: التحلي بالصفات الخلقية، والخامس: التحلي بالصفات النفسية، وأخيرًا: إعداد المنصر.
والفصل الرابع: وسائل التنصير، ويحتوي على تمهيد وستة محاور مطبقة على الوطن العربي بشكل عام والسلطنة بشكل خاص، أما المحور الأول فهو: الخدمات التعليمية، والثاني: الخدمات الطبية، والثالث: الكتب والمكتبات، والرابع: الأعمال الخيرية، والخامس: الإذاعات الموجهة، والسادس: بناء الكنائس. والفصل الخامس: حركة التنصير في الميزان، ويحتوي على تمهيد وخمسة محاور، الأول: التنصير في الميزان، والثاني: الآثار السلبية، والثالث: الآثار الإيجابية في مجالات التعليم والطب والجمعيات الخيرية والصحوة الإسلامية، والرابع: حركة التنصير بين الفشل والنجاح، والمحور الأخير: مستقبل التنصير، وفي نهاية الكتاب أسدل المؤلف الستار عن فشل وسقوط الإرساليات في الوطن العربي، وعادت بخفي حنين إلى موطنها.
ومن الجدير بالذكر أن المؤلف أولى الحديث عن دور المستشرقين وحملات التنصير في السلطنة إيلاءً واضحًا واهتمامهم بتصنيف المخطوطات وفهرستها ودراسة بعضها ونشر الكثير منها، ورأيهم في المذهب الإباضي ومقارنته بباقي الفرق الكلامية، ويدعو المؤلف الباحثين العمانيين لاستكشاف هذه الأرض البكر، وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها، والعكوف على مناقشتها ونقدها.
وكذلك أسهب الحديث عن دور الحركات التنصيرية في السلطنة وأهدافهم ووسائلهم في اختراق القرى والمدن العمانية، وأهم الإيجابيات التي تمخضت عنها هذه الحركة، فرب ضارة نافعة ولكل محنة منحة، وكذلك السلبيات التي خلوها وراءهم.
والكتاب في حقيقته موضوعيًا واقعيًا بعيدًا عن التكلف، شاملاً لأهم النقاط والمحاور التي ينبغي الإلمام بها في قضيتي التنصير والاستشراق، وينافس هذا الكتاب غيره من الكتب التي تحدثت عن قضيتي الاستشراق والتنصير، فقد عالج المؤلف الخلل في تلك الكتب بكتابه هذا، من تطرقه للتنصير والاستشراق شروطه وأهدافه، ووزن كل من القضيتين بميزان الواقع والمنطق العقلي، والعلمي.
مقدمة
وقد قدم الدكتور الزيني لكتابه مقدمة بين فيها أهمية الكتاب والدافع للكتابة في هذا الموضوع وأهميته والجهود التي بذلها ليخرج الكتاب بهذه الصورة والمنهجية التي اتبعها في بحثه وخطته في تقسيم كتابه يقول فيها: تموج ساحة الفكر العربي بالعديد من القضايا التي تطرح نفسها،وتحتاج إلى معالجة عميقة، وفتح باب المناقشة فيها،إذ مازالت تطرح إشكاليات عديدة ورؤى متباينة، وإجابات مختلفة؛ ومن هذه القضايا قضية الغزو الفكري وأبعاده ومدى تأثيره في أبعاد الشخصية العربية، وقضية العولمة التي فرضت نفسها على الدول العربية وانعكاساتها الإيجابية والسلبية على الفكر والاقتصاد والسياسة، وقضية تجديد الخطاب الديني وضرورة تناوله لقضايا حيوية تساعد المسلم في إيجاد حلول لمشاكله اليومية بدلا من إغراقه في الخرافات، وتغييب عقله في مسائل لا تقدم ولا تؤخر في معترك الحياة، وتركيز الخطاب كافة على مسائل وعظية، وقضايا جانبية، وقصص خرافية، يحشون بها عقل المستمع فيصبح عقلا مسطحا قابلا للاستهواء وتصديق كل شيء حتى دخول الجمل في البندقة على حد تعبير محمد عبده؛ إذ نحتاج في يومنا هذا –وكل يوم –إلى الأسلوب العلمي، في مناقشة قضايا الدين التي تهم المسلم لكي تحفز همته وتطلق إرادته لكي يشارك في تقرير مصيره وأخذ زمام المبادرة الإيجابية وبناء حياته وتاريخه ووطنه.
ومن هذه القضايا أيضا قضية الاستشراق والتنصير، وقد اخترناهما لكي يدور الحديث حولهما.
أما القضية الأولى فما زالت تحتل مساحة عريضة من النقاش بين المهتمين بقضايا الفكر العربي الإسلامي، وتتناولها الأقلام بالتحليل والدراسة، وبلغت أهميتها أن بعض الجامعات أفردت لها قسما ينهض بدراستها من جميع أبعادها ؛تاريخ الاستشراق ونشأته وتطوره وعصوره وأهدافه ورجاله وإيجابياته وسلبياته، وكل ما يتعلق به من إنتاج علمي وفكري.
وكذلك قضية التنصير، فهي قضية حساسة تتعلق بثوابت الأمة الإسلامية، إذ في فترة من فترات التاريخ الكئيبة، وتدهور الحضارة العربية الإسلامية، هجمت جماعات من الرهبان والقساوسة واللاهوتيين يؤازرهم الاستعمار الذي سيطر على مقدراتنا وإرادتنا ومصائرنا؛ وعلى الجملة حياتنا وبلادنا، وأفسح مجالا واسعا لهذه الإرساليات التي تدفقت على أوطاننا تدفق الجراد على الأرض الخضراء، مسلحة بالمال والعلم والإمكانيات الضخمة والوسائل المختلفة، وراحت تنشر أفكارها ومعتقداتها لنقل المسلمين إلى المسيحية، وتشويه عقيدة الإسلام.
تقسيم الكتاب
قسم الكتاب إلى قسمين؛ القسم الأول يدور حول الاستشراق، والثاني يتناول حركة التنصير،وبذلت غاية جهدي في هذين الموضوعين حقهما، ومن البديهي أن هناك هوة واسعة بين القضيتين، فالقضية الأولى تتعلق بجهود علماء الاستشراق تجاه فهم الحضارة العربية الإسلامية ودراستهم لعلومها، وعكوفهم على النظر في إبداع عقول علمائها، من فقه وتفسير وحديث و أدب وشعر وفلسفة وعقيدة وتصوف وتاريخ… وعلى الرغم من تباين أهداف المستشرقين،المقبولة والمرفوضة، إلا أنهم خلفوا لنا كما عظيما من الإنتاج العلمي و نهضوا بتحقيق المخطوطات ونشرها، مع استخدام المنهج العلمي، وقد وقفت طويلا لشرح دوافع حركة الاستشراق والوسائل المتعددة التي استخدمتها،بعد أن ألقيت نظرة تاريخية لنشأتها، وتحدثت عن سبب القصور عند الكثير منهم، والأخطاء التي وقعوا فيها، واجتهدت في البحث عن سبب اقتحام اليهود هذا الميدان، وعللت ذلك بما استطعت أن أتوصل إليه من أسباب نفسية ودينية وسياسية، وانتقلت للحديث عن مساهمة المستشرقين في الإنتاج العلمي ونوهت بأسمائهم وإنتاجهم وتحقيقاتهم المخطوطات وجهودهم الواسعة في هذا المجال، والترجمات للكتب العربية التي نقلوها للقارئ الأوروبي وتعريفه بأبعاد هذه الحضارة، فضلا عن الموسوعات التي نشروها في مجال الأدب العربي والنحو والفكر الإسلامي والمعاجم الضخمة، في ميدان فهرسة القرآن والحديث الشريف واللغة العربية، ومع التنويه بأفضالهم، ركزت أيضا على أهم السلبيات التي لمسناها في مؤلفاتهم وحديثهم السقيم عن بشرية القرآن وإنكار وحيه الإلهي والنظر إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أنه زعيم ثورة ومصلح اجتماعي وقائد سياسي لا غير، والقصور الواضح في قراءتهم للتاريخ العربي الإسلامي، وتجنيهم عليه وانحرافهم عن قواعد المنهج العلمي، بسبب تعصب بعضهم وموقفهم موقف العداء من إبداعاتها.
حركة التنصير
أما حركة التنصير فتختلف في المنطلقات والوسائل والأهداف والنتائج، إذ أنها تعترف بدوافعها من البداية والقائمون عليها لا يخفون ذلك ولا يترددون في إعلانها والاعتراف صراحة أنهم حضروا إلى الشرق الإسلامي للمجاهدة في تنصيره وإدخاله في الديانة المسيحية، وتصميمهم على انتصار الصليب على الهلال كما أعلن بذلك زعيمهم صمويل زويمر، وما الخدمات الطبية والتعليمية إلا ذرائع للولوج إلى هذا الميدان الفسيح الذي استباحوه.
وقد تناولت هذه القضية من جميع أبعادها؛ فأشرت إلى النشأة التاريخية للحركة وبداية ظهورها ودوافعها، وأهدافها ومعظم الوسائل التي استخدمتها، ثم توقفت طويلا أمام تقييم هذه الحركة، وأظهرت أهم إيجابياتها وسلبياتها، ونوهت بدور علماء الإسلام في الوقوف صفا واحدا أمام هذه الهجمة الشرسة التي ابتلي بها العالم الإسلامي، ولم أغفل جهود الحكومات الإسلامية في محاربة الحركات التنصيرية، سواء عن طريق مراقبتها والحد من آثارها أو عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والطبية للاستغناء عن خدماتها، وناقشت مستقبل حركة التنصير، في الوطن العربي وفي إفريقيا وآسيا، وقد تناولت كل ذلك بالشرح والتحليل، والدراسة والمناقشة، والقبول والرفض، والتأييد والتفنيد.
وغني عن الإشارة أننا أولينا الحديث عن دور المستشرقين في السلطنة إيلاءً واضحا واهتمامهم بتصنيف المخطوطات وفهرستها ودراسة بعضها ونشر الكثير منها، ورأيهم في المذهب الإباضي والمقارنات الواسعة التي عقدوها بينه وبين الشيعة و المعتزلة، والأشاعرة وباقي الفرق الكلامية ونوهت بدراسات يوليوس فلهوزن وكارلو نللينو ورودلف اشتروتمن وغيرهم .
وهذه قضية مازالت تحتاج إلى جهود مضنية من الباحثين العمانيين لاستكشاف هذه الأرض البكر، وحصر جهود المستشرقين وتتبع بحوثهم والنهوض بترجمتها، والعكوف على مناقشتها ونقدها؛ وبالجملة دراستها دراسة علمية دقيقة ؛ و ياحبذا لو نهضت جامعة السلطان قابوس بهذه المسؤولية وأعطت هذا الميدان حقه من الدراسة والاهتمام، أو مركز الدراسات العمانية، إذ عليه مهام علمية واسعة سواء في مجال نشر المخطوطات وتحقيقها أو تقديم بحوث معمقة تتعلق بتاريخ عمان ودور علمائه في مجال الفقه والتفسير والمنطق والفلسفة والتصوف، ومشاركتهم في بناء الحضارة العربية الإسلامية.
وكذلك أسهبت في الحديث عن دور الحركات التنصيرية في السلطنة وأهدافهم ووسائلهم في اختراق القرى والمدن العمانية وأهم الإيجابيات التي تمخضت عنها هذه الحركة، فرب ضارة نافعة كما يقول المثل العربي، ولكل محنة منحة، وكذلك السلبيات التي خلفوها وراءهم.
ومن الجدير بالذكر أن معظم الكتب التي تناولت تاريخ حركة التنصير في الخليج أو الوطن العربي، أشارت بطريقة عرضية و مختصرة إلى السلطنة،ويعد كتاب الدكتور سليمان سالم الحسيني: الحملات التنصيرية إلى عمان؛ من أوفى الكتب وأشملها وأوسعها إحاطة بهذه القضية فقد أوفاها حقها، وأشار إلى الإرساليات التي توافدت على البلاد، ونوه بخدماتهم الطبية والعلمية، ثم أفول نجمهم مع إشراقة أنوار النهضة العمانية المباركة، واعتمد في كتابه على الكثير من الوثائق الهامة، والمراجع الأجنبية، وهو كتاب يستحق القراءة والإشادة والمدح، وقد عولت عليه كثيرا فيما يتعلق بالتنصير في السلطنة.
محايدة
حاولت قدر الطاقة الإنسانية أن أكون محايدا وأعرض القضية كما هي في المراجع والمصادر المعتمدة، ثم بعد ذلك أوضح وجهة نظري مؤيدا ذلك بالدليل العلمي، والحجة المقنعة، والبرهان الفلسفي، وقد استخدمت أكثر من منهج لبسط وجهة نظري، عولت على المنهج التاريخي، في سرد الأحداث والوقائع لكي يستطيع القارئ متابعة التسلسل الزمني وفهم أبعاد القضية التي نتكلم عنها.
واستعنت بالمنهج المقارن للبحث عن النظائر والأشباه، للأفكار التي تعرضنا لها وناقشناها مناقشة علمية، أو المقارنة بين الشخصيات المسيحية والإسلامية، أو الوسائل التي استعان بها المستشرقون والمنصرون ووسائل علماء العرب و المسلمين.
ولاغرو أن يصاحبني المنهج العلمي في كافة صفحات البحث إذ استخدمت منهج الشك في قراءة الأفكار، للتثبت من المعلومات والأخبار الواردة في بطون الكتب، للوصول إلى اليقين، ولا أسلم بشيء على أنه صدق إذا لم أكن أعلم أنه كذلك، وألا أدخل في حكمي شيئا أكثر مما كان حاضرا أمام عقلي في وضوح وتميز على حد تعبير ديكارت (1650).
لقد ناقشت معظم القضايا التي تناولتها مناقشة عقلية هادئة مهتديا بالدليل العلمي دون تعصب ومراجعا ضميري في كل ما توصلت إليه من آراء، مؤمنا «أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور ويوازن بين الأضداد ويتبصر ويتدبر ويحسن الادكار والرواية، وإنه هو العقل الذي يقابله الجمود والعنت والضلال».
وقد أكون مصيبا فيما عرضته من وجهة نظري، وما ذهبت إليه من آراء وما توصلت إليه من نتائج، أو مخطئا؛ فإذا كانت الأولى فالحمد لله رب العالمين على توفيقه، وإن كانت الثانية ؛ فلي أجر الاجتهاد، وإعمال العقل في محاولة البحث عن الحقيقة والأمل في الاقتراب منها، أما الحقيقة الكاملة فلا توجد في عالمنا الناقص الذي من أهم سماته التغير والصيرورة، ولا في حياتنا اليومية، إنما توجد في السماء في عالم التأمل والمعقولات،عند الله الكامل كمالا مطلقا، فهو واجب الوجود له صفات الكمال والجلال والجمال.
أما الإنسان فلا شك أن عوامل النشأة والبيئة والتربية والتوجيه والثقافة والعادات والتقاليد، تقوم بدورها في تحديد منظوره للموجودات، وتشكل رؤيته للقضايا، ومهما ادعينا الموضوعية والحيدة والنزاهة، فكل منا مسجون داخل هذا الكهف الذي أشار إليه أفلاطون في محاوره الجمهورية؛ ومن ثم نقع جميعا في هذه الأخطاء التي لا فكاك منها، وهي التي أطلق عليها فرنسيس بيكون (1650) أوهام الكهف، أضف إلى ذلك أوهام الجنس أي جملة الأخطاء التي يقع فيها الإنسان بحكم طبيعته البشرية، مثل التسرع فى إصدار الحكم وعواطف الكبرياء والقلق والشهوة التي تدفعه للتمسك برأيه بعد أن يستبين أمامه طريق الرشاد والصواب.

ملف التنصير في موريتانيا في الواجهة:أئمة المساجد وخطباؤها يحذرون من خطر التنصير

ملف التنصير في موريتانيا في الواجهة:أئمة المساجد وخطباؤها يحذرون من خطر التنصير


للكاتب : نواكشوط ـ أحمد ولد سيدي
ملف التنصير في موريتانيا في الواجهة:أئمة المساجد وخطباؤها يحذرون من خطر التنصير
ظهر ملف التنصير في موريتانيا لأول مرة على الواجهة بعدما أصدرت محكمة الجنايات بنواكشوط في أكتوبر 2010، حكما بالسجن سنتين نافذتين في حق المتهم عبدالقادر الجزائري الملقب (أبو حمزة) بتهمة التخابر مع جهات أمنية خارجية على رأسها المخابرات الإيطالية؛حيث كان يتابع نشاط المسلمين الغربيين الذين يصلون (المحاظر)الموريتانية لدراسة العلوم الشرعية، وقد اعتقل المتهم بعيد مقتل الأمريكي (اكريتستوف ليغيت) من قبل أفراد من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سنة 2009، حيث كان يعمل معه سكرتيرا عاما في منظمته «نور للمعلوماتية»، لتتكشف أول خيوط ملف التنصير التي يقول البعض إنها تجاوزت الحد العادي لها في بلد مسلم كموريتانيا لا يزال أهله يرفضون الدخول في دين غير الإسلام.
أئمة مساجد يطالبون بوقف التنصير..
     دعا إمام مسجد الشرفاء في نواكشوط الشيخ محمد الأمين ولد الحسن إلى وقفة رسمية وشعبية لمواجهة شبكات التنصير التي قال إنها تعمل بنشاط كبير في مختلف أنحاء البلاد.
     وقال ولد الحسن في خطبة الجمعة 31/12/2010 إنه يدق ناقوس الخطر من شبكات تنصيرية تعمل في مختلف الميادين وفي أرجاء عديدة سعيا إلى تحويل المسلمين إلى أقلية ومن ثم طردهم من هذه البلاد المسلمة على المدى البعيد.
     وأضاف ولد الحسن «كنا في السابق نسمع عن منظمة خيرية متهمة بالتنصير وهو أمر لم يكن يصدق في الغالب، أما اليوم فقد بات الجميع على علم بالمخططات التنصيرية لكنيسة نواكشوط والمتعاملين معها لاستخدام المجالات الخيرية لصد المسلمين عن دينهم».
     وشدد ولد الحسن على ضرورة أن تتعاون السلطات الحاكمة - التي أثنى على دورها في هذا المجال - مع جميع المواطنين والفاعلين الاجتماعيين على التصدي لهذا الخطر الذي وصفه بالكبير والمحدق.
     وعبر ولد الحسن عن امتعاضه الشديد من تصريحات أسقف نواكشوط «مارتين هابي» للإعلام، حيث قال فيها إنه يتمتع بعلاقات طيبة مع عدد من العلماء الموريتانيين وهو الأمر الذي وصفه ولد الحسن بالكذب والمكر الهادف إلى تشكيك الناس في العلماء وإسباغ الشرعية على المنصرين الذين وصفهم بالأعداء الساعين إلى صد المسلمين عن دينهم.
     وقال ولد الحسن إن على الجميع أن يعلم إن هذه الظرفية هي التي يميز بها بين المؤمن والمنافق عند ما يكون هناك خطر داهم يتهدد الإسلام؛ حيث يهب المؤمنون حقا للدفاع عنه في حين يتوارى المنافقون الذين دخلوا الإسلام خوفا أو طمعا.
      وكان أئمة عدد من المساجد المحلية في نواكشوط قد تحدثوا خلال خطب سابقة عن خطر شبكات التنصير وعلى رأسها «كنيسة نواكشوط التي أصبحت تهدد البلاد».
منظمات تنصيرية تعمل في البلاد
      وقد نشرت وكالة (الأخبار) المستقلة في موريتانيا تقارير تتعلق بشبكة منصرين تتكون من تسعة أشخاص بينهم امرأة باشروا توزيع الإنجيل بموريتانيا و احتكروا تمثيل منظمات تنصيرية لا فروع لها في البلاد، ونظموا العديد من الملتقيات داخل الوطن، وحصلوا على الكثير من التمويلات الخارجية وتقيم علاقات حميمة مع عدد من الشباب الموريتانيين.
      وطبقا لما نشرته (الأخبار) فإن هذه الشبكة تمثل القيادة المركزية لمعظم الأعمال التبشيرية في موريتانيا وتنتهج أسلوب الفصل الكلي بين أقسام (الدعوة) داخل مختلف شرائح الموريتانيين، ويتولى زنجي – سبق أن سجن سنتين-  مسؤولية إدارة ملف التبشير في الزنوج، وهو يدير مدرسة في مقاطعة «تيارت» بالعاصمة نواكشوط.
ترجمة الإنجيل
     من بين الملفات التي أوردتها وكالة (الأخبار) عن ملف التنصير في موريتانيا ملف يتعلق بشاب مثقف مقرب من إحدى أهم الشخصيات الدينية في موريتانيا ومدير معهد إسلامي في مدينة (كيهيدي) جنوب البلاد، إضافة إلى (داعية) وأستاذ مفرغ يعمل في ذات الوقت حارسا للسفارة الأمريكية في نواكشوط، وتاجر موريتاني يقيم في غينيا يشكلون الفريق المثير الذي يضطلع بمهمة ترجمة الإنجيل إلى اللهجة (الحسانية) المحلية للموريتانيين.
      وتضيف التقارير أن الفريق باشر ترجمة (الإنجيل) في أوقات متفرقة، وذلك في شكل نصوص مكتوبة وأشرطة مسموعة تشرح مقاطع من الإنجيل باللهجة العامية
حبس وإطلاق سراح
      وتقول التقارير إن واحدا فقط من الأربعة تعرض للاعتقال وهو المدعو (الشيخاني) عام 2007 من بين 6 أشخاص بتهمة التنصير واعترف (الشيخاني)  بأن الصوت الذي يتحدث في أحد الشرائط المضبوطة هو صوته بالفعل وأقر بأن حب المال كان دافعه الوحيد، لكن أسبوعا واحدا من التحقيق ووساطة من أحد كبار الشخصيات الدينية في موريتانيا على علاقة بالفتى كانت كافية لينال حريته.
     المعتقلون إلى جانب الشيخاني اعترفوا بنشاطهم في مجال التنصير، طالبين الصفح، فيما ادعى آخرون أن ما يقومون به ليس سوى عمليات تحايل على المبشرين. وقال المعتقلون إنهم يحصلون على مبالغ مالية طائلة من الأجانب مقابل تسلم كتب ادعوا أنهم يقومون في نهاية المطاف بإتلافها أو رميها في النفايات.

المصدر :موقع مجلة الفرقان

من يوقف غول «التنصير» في موريتانيا؟!


من يوقف غول «التنصير» في موريتانيا؟
مخاوف من انتشار واسع لنشاطاته في ظل تجاهل السلطات.. ازدادت أنشطة المنصّرين في موريتانيا بشكل لافت خلال السنوات الخمس الأخيرة، مستفيدين من انشغال النُّخَب السياسية بالصراع على السلطة، وارتفاع معدلات الفقر بالبلاد، وغياب الرقابة الأمنية على أنشطة الكنيسة؛ ليخترقوا بصمت جدار المجتمع المتديِّن، مستفيدين من بعض ضعاف النفوس الذين ساعدوهم في نشر أفكارهم الخطيرة بين بعض فئات المجتمع، خصوصاً في العاصمة نواكشوط وبعض مدن الضفة الجنوبية.
«مارتين هابي»، رئيس الأسقفية الكاثوليكية في موريتانيا، فجّر أكبر أزمة أخلاقية تعيشها البلاد، محرجاً السلطات، وملقياً حجراً في مياه البلد الراكدة، بعد أن كشف عن الوجه الحقيقي لكنيسة «نواكشوط»، ودورها التخريبي داخل المجتمع الموريتاني المسلم، مقرّاً بأن العمل الخيري يظل أبرز جهود كنيسته لنشر الفكر المسيحي بين الموريتانيين، وكاشفاً النقاب عن عدد من الأنشطة والمشاريع التي تديرها كنيسته في البلاد! «هابي»، الذي يحظى بعلاقات واسعة في موريتانيا مع مسؤولين وبعض رجال الدين، قال: إن منظمة «كاريتاس» التابعة للفاتيكان حاضرة في موريتانيا في مجالات مختلفة من بينها السجن، مشيراً إلى أن فلسفتهم تتمثل في مساعدة الإنسان «لا من خلال إعطائه، بل من خلال تحريك قدراته وقواه.. فإذا أعطينا من يتسول مثلاً فإننا لا نحمي كرامته، وهذه المقاربة تجدونها في كل أعمالنا في الصحة والتكوين والتعليم»، كما يزعم!! وأشار «هابي» – في مقابلة نشرتها وكالة «الأخبار» الموريتانية – إلى أنه ورفاقه يحاولون «العمل بهدوء.. وهذا أسلوب ظللنا نتبعه مراراً»، متسائلاً: «هل رأيتم يوماً في البلاد سيارات مكتوب عليها «كاريتاس»؟ لن تجدوا ذلك، بل حتى حين يطلب بعض الممولين إقامة لافتات على بعض المشروعات التي نقيمها كالآبار ونحوها يتم رفض طلبهم.. نحن في الواقع لا نحفر آباراً، ولكن نساعد الناس في حفر آبارهم هم، ولذا لا نريد مثل هذه اللافتات، لأننا نعمل بسرية»، حسب قوله. ونفى «هابي» تأثر خطط الكنيسة بأعمال العنف التي استهدفت الغربيين في موريتانيا، قائلاً: إن «الأنشطة تتواصل كما هو مرسوم، رغم خيبة أمل السفراء الغربيين من ذلك»! وقال «رأس الشر» في حديثه الصادم للمجتمع الموريتاني: «لدينا حضور في «بوجي»، وهناك مشروع قيد الاكتمال في «مكطع لحجار» داخل البلاد، والأمر يتعلق بمشروعات للتنمية المندمجة تبدأ بمحو الأمية على أن يتطور لاحقاًحسب الحاجات التي ستظهر – إلى مجال الزراعة أو التنمية أو ترقية المرأة…إلخ». وأضاف: «ليس من الصعب الحصول على متخصصين، أما ما هو صعب بالمقابل فهو العثور على أناس يعلمون كيفية إثارة اهتمام الناس والجلوس إليهم والاستماع إلى رغباتهم ومعرفة ما بوسعك تقديمه لهم وكيف يمكنك المساعدة.. هذا هو أسلوبنا في العمل، وهذا يدخل بصعوبة في إطار أسئلتكم».
من هو «هابي» وكنيسته؟ حسب الاصطلاح الكنسي، فإن كنيسة نواكشوط تُدعى «أسقفية»، ويجب أن يكون على رأسها أسقف يقوم بمهمتَيْ الإنعاش الروحي والتنسيق.. وفي موريتانيا توجد أسقفية واحدة مقرها نواكشوط، ولديها فروع في البلاد، حيث توجد كنيسة في «نواذيبو»، إذ إن وجود الأجانب يتركز في المدينتين.. لكن لديها أيضاً وجوداً في «أزويرات» بدأ مع قدوم الكثير من الفرنسيين لدى بدء استغلال مناجم الحديد، وفي إطار مخطط إقامة المدينة المنجمية تم بناء كنيسة.
ويوجد هناك قس يبلغ من العمر 78 عاماً، ومن المرجح أن يتم تغييره، ولدى كنيسة نواكشوط أيضاً قس في «أطار» مع مجموعة من الراهبات، ولديهم جهد اجتماعي وتنصيري من ضمنه مكتبة، كما أن إحدى الراهبات طبيبة وأخرى ممرضة، وينشطن في مجال مراكز التغذية، وهناك راهبة تعمل في مجال الترقية النسوية. وفي «نواذيبو» يوجد قس منذ خمسين عاماً، وفي هذه المدينة الساحلية يوجد وضع خاص منذ سنوات مع ظهور مشكلة المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء الذين يصلون هناك، لكن سكان المدينة يعلمون اليوم أن الموريتانيين يستفيدون من هذه التكوينات أكثر من المهاجرين. ويقول القس المثير للجدل بموريتانيا: «لقد كسبت كنيستنا الكاثوليكية و«كاريتاس» ثقة كبيرة لدى السلطات الأمنية والحكومية، ولذلك فإن بعثات الكنيسة ومؤسسة كاريتاس تجد الترحيب والأبواب مفتوحة في كل الأماكن في البلاد. ويقول القس: إنه وأتباعه بموريتانيا يتمتعون بحرية العبادة، ولا توجد أي صعوبة في ممارسة طقوسهم وخلال الأعياد المسيحية، فإن الكنيسة توجه رسالة إلى الحاكم الذي لا يتردد في إرسال وحدات أمنية لتأمين الكنيسة خلال اجتماعات الأعياد.
شبكات خطيرة.. ودولة غائبة!
شبكة من تسعة أشخاص بينهم امرأة باشروا توزيع الإنجيل بموريتانيا، واحتكروا تمثيل منظمات تنصيرية لا فروع لها في البلاد، ونظموا العديد من الملتقيات داخل الوطن، وحصلوا على الكثير من التمويلات الخارجية.. تلك هي قصة «آخر دفعة من المنصرين الوطنيين» ينضوون جميعاً تحت لواء الأمريكي «جوزيف كامينج».
واليوم يدير القس الأنجليكاني برنامجاً في إحدى أعرق جامعات بلاده، ويُعتبر شخصاً ذا أهمية في الحوار بين الأديان، أما أتباعه الموريتانيون فنال من اعتُقل منهم حريته، فيما لا يزال المطلوبون في حالة فرار، وما زالت المنظمة التي استعملوها غطاء تواصل نشاطها.. وهكذا كانت نهاية الشبكة. وتُعتبر منظمة «دولوس» المقر المركزي الذي كان يجتمع فيه المنصرون «الوطنيون»، حيث استطاع المدير السابق لها «جوزيف كامينج» في حيز زمني قصير أن يقيم علاقة وطيدة مع شباب موريتانيين، أغدق عليهم المال ووجدوا في ظله الحماية اللازمة، وفتح أمامهم فرصاً كثيرة. وحسب المصادر التي تحدثت إلينا، فإن «دولوس» تمثل القيادة المركزية لمعظم الأعمال التنصيرية في موريتانيا وتنتهج أسلوب الفصل الكلي بين أقسام «الدعوة» داخل مختلف شرائح الموريتانيين، ويتولى زنجي سبق أن سُجن سنتينمسؤولية إدارة ملف التنصير بين الزنوج، ويحظى بالدعم اللازم والعناية من جانب «دولوس»، وليست له أي صلة بـ«البيظان»، وهو يدير مدرسة في «تيارت».
«دولوس» – التي تعرِّف نفسها رسمياً بأنها «منظمة إنسانية مسيحية» تهتم بمنطقة الساحل وموريتانيا على نحو خاصتقيم علاقات وطيدة مع كل مترجمي الإنجيل إلى اللهجة «الحسانية». أما «جوزيف كامينج» – أو «يوسف كامينج» كما يسمي نفسه على موقعه الشخصي على الإنترنتفقد اختلط بالمجتمع الموريتاني أيما اختلاط لدرجة أنه وزوجته «ميشيل» وطفلاهما أقاما لسنوات بين الطبقات الموريتانية المسحوقة.. بالإضافة إلى شغفهما بالزي الموريتاني التقليدي، لدرجة أن «كامينج» يفضل أن يعظ في الكنائس العالمية وهو يرتدي «دراعة» موريتانية، وهي إشارة دالة. وفضلاً عن نشاطها في نواكشوط في مجال مراكز التغذية والخدمات الصحية، تركز المنظمة – وفق المصادر – على اكتساب ثقة الزنوج الموريتانيين، وتنشط في منطقة «النهر»، رغم أن أغلب من كشفتهم المصادر من المتعاونين معها ينحدرون من العرب.
«كامينج»، الذي يدير حالياً برنامجاً علمياً في جامعة «يال» اللاهوتية بولاية «كونكتيكات» الأمريكية، شهدت فترة إدارته للمنظمة تطوراً في أنشطتها المعلنة وغير المعلنة، وأنفقت المنظمة – طبقاً لتقرير أعمالها عام 2008م – زهاء 800 ألف دولار (أكثر من 220 مليون أوقية) على مشاريعها المختلفة.
وتنشط منظمة «كامينج» في موريتانيا منذ عام 1980م، ومن بين أبرز شركائها تظهر منظمة «صلة الرحم»، وجمعية (Au secours)، ومنظمة (Savoir)إضافة إلى عدد من القطاعات الحكومية.
وشاية «ليجيت»:
ثلاثة «عاطلين»، فالدعوة إلى المسيحية عمل طوعي لا ينفي صفة البطالة، ومعلم، وموظف بولاية نواكشوط، وثلاثة مطلوبين.. هؤلاء هم أشياع «كامينج» في مهمته التنصيرية، أكبرهم سناً وُلد في عام ميلاد الدولة التي أراد أن يلحق عقائد أهلها بالمستعمر (1960م)، وأصغرهم سناً عاصر خطوة مهمة في اتجاه الاستقلال الاقتصادي؛ حيث وُلد عام 1973م الذي شهد صك العملة الوطنية «الأوقية». أوقفت الشرطة خمسة من هؤلاء قبل أن يتم إطلاق سراحهم بضمان إحضار، وبكفالة مالية قدرها 190 ألف أوقية، فيما لا يزال البحث جارياً عن الباقين.
اجتمع الخمسة الموقوفون في الساعة السادسة مساءً، قبل ثمانية أيام فقط من اغتيال الأمريكي «كريستوف ليجيت»، أي في 11 يونيو 2009م بمنزل «تيم جنسون» (أمريكي صاحب مكتبة قرب «الكنيسة في نواكشوط»، ويدير وكالة للسفريات في العاصمة)؛ ليقدموا شكوى ضد «ليجيت»؛ إثر خلافات عميقة معه حول ما اعتبره الأمريكي الراحل «فردية في تنظيم الأنشطة (التنصيرية) دون تنسيق، واستقلالية الشباب الموريتانيين عن توجيه الأجانب الموجودين في البلد».
وكان المواطن الأمريكي «كريستوف ليجيت»، الذي قُتل في مقاطعة «لكصر»، قد أبلغ المنظمات الكنسية في الخارج أن متعاونين موريتانيين مع برازيلي في نواكشوط ليسوا سوى متحايلين على المنظمات، طالباً قطع الاتصال معهم وتوقيف الدعم المقدم لهم، مما جعل الخلاف يتعمق بين جميع الأطراف. وعندما قُتل «ليجيت» على يد عناصر من تنظيم «القاعدة»، عثرت السلطات بحوزته على قائمة من الأشخاص يتعامل معهم ويقترض لهم أموالاً بفوائد تبلغ 5%، وهو ما دفع لتوقيف هؤلاء.
شركاء متشاكسون
وتقول مصادر أمنية مطلعة في نواكشوط: إن هناك العديد من الأجانب النشطين في مجال التنصير يعملون دون تنسيق مع زملائهم من دعاة النصرانية في البلاد، مثل المواطن الأمريكي «إبيتر»، الذي يزور موريتانيا منذ عام 2008م، وهو ناشط في مجال التنصير، وليست له أية علاقة مع الأمريكيين الناشطين الآخرين في المجال، وإنما كانت علاقته محصورة على بعض الشباب الموريتانيين والسنغاليين المقيمين في موريتانيا.
كما توجد أسرة من الأرجنتين تُدعى أسرة «كايينا»، تنشط هي الأخرى في مجال التنصير، تقطن في حي «المشروع» بمقاطعة «تيارت». تجاوز الأمريكيين المواطن الفرنسي «دومينيك كادر» الناشط بمنظمة «الأبواب المفتوحة»، غالبية إقامته في فرنسا، ويتردد على موريتانيا باستمرار، حيث يقيم صلات وثيقة مع مجموعة من الشبان الموريتانيين العاملين في مجال التنصير، ويشرف شخصياً على ملتقيات للتكوين على العمل في «تحويل القناعات الإسلامية إلى قناعات نصرانية». ارتبط «دومينيك» بمجموعة من الشباب الموريتانيين دون علم الأمريكيين العاملين في مجال التنصير بموريتانيا، وهو ما كان سبباً في إغضاب هؤلاء.. كان يلتقي بتلامذته الموريتانيين في منزل المواطن الأمريكي «تود» القاطن قرب السفارة المغربية بالعاصمة نواكشوط. نشاطات «دومينيك» غالباً ما يقوم بها دون أي إشعار لزملائه الأمريكيين الناشطين في مجال التنصير، وهو ما كان موضع تحفظ من قِبَل هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم الأقدم، متهمين «دومينيك» بتجاوزهم في أنشطته، التي كان من المفروض أن ينسق معهم في إطارها، نظراً لوجود هيئة منظمة يديرونها في هذا المجال، بحسب المصدر. وقد موّل «دومينيك» مشاريع صغيرة للموقوفين و«مجموعات أخرى»، وكان في تمويلاته يعطي قروضاً من دون فوائد، مدعياً أنه يفعل هذا احتراماً لديانة البلد الذي يعمل على أرضه، والذي يحرّم الإقراض بفوائد (الربا).. خلافاً لإخوانه الأمريكيين الذي كانت تصل «فوائد قروضهم» أحياناً إلى خمسة بالمائة.
لائحة الموقوفين: – إعل سالم ولد محمد (47 عاماً – أزويرات)، معلم. – حمدي ولد محمد فال ولد إعمر (37 عاماً – أطار)، عاطل عن العمل. – ……………… (39 عاماًشنقيط)، موظف في ولاية نواكشوط. – المصطفى ولد الخال أمين (50 عاماًنواكشوط)، عاطل عن العمل. – باب سيدي ولد محمد السالك (40 عاماً – أطار)، عاطل عن العمل. – فاطمة نور (45 عاماً – لعيون)، رئيسة منظمة «الأمل» غير الحكومية (حُقِّق معها، ولم تُعتقل).
لائحة المطلوبين: – سيدي محمد ولد سيديا (باكو). – محمد سالم ولد حرمة. – إسماعيل إتيام.
أنشطة عديدة التعامل المباشر مع المنصرين الموريتانيين، دون المرور على أجانب، طريق جربتها المواطنة الأمريكية «راي» والمواطن النيجيري «إيمانويل» اللذان مولا مشاريع مهمة في موريتانيا. «إيمانويل» ورفيقته الأمريكية يعملان بمنظمة «كريستيان أيد» وزارا موريتانيا مرات عديدة، وهما على صلة بالمجموعة الموقوفة و«مجموعات أخرى» عاملة بـ«التنصير الوطني». كان الثابت في المعطيات عن كل هؤلاء خلافهم المنهجي والمالي مع المواطن الأمريكي «كريستوف ليجيت» الذي أُلصقت عملية اغتياله لتنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، ويبدو أن عملية قتله كانت المحرك للتحقيق. كما يتسلم هؤلاء أحياناً 200 ألف أوقية مقابل توزيع الكتب المسيحية، التي يتم إدخالها إلى موريتانيا، وتُقدَّم لهم مبالغ يقدمونها لمن يتسلم منهم تلك الكتب. كما فضلت عدم الخوض في ملف العاملين تحت مظلات مؤسسات أو أعمال حرة داخل موريتانيا كما هي الحال مع المواطن العاجي «سمبليس»، الذي ينشط في مجال التنصير ويدير مؤسسة للمعلوماتية في مقاطعة «تفرغ زينة»، وكان يعمل في منظمة «نورة»، ويحسن الحديث باللهجة «الحسانية».